في ظل تلك الأحداث المُحتدمة ، والصراعات التي كانت تجرى على أرض مصر ، والظروف القاسية التي كانت تعيشها ، والتي تتمثل في مرورها بفترتين إنتقاليتين خطيرتين في تاريخها ، كانت لم تزل تُبدل عباءة الحكم الروماني الذي إستمر قائماً زهاء أكثر من 6 قرون ونصف ، كانت الكنيسة القبطية ، وشعب المسيح في أرض مصر ، يعاني مرار المعاناة في تلك الظروف التي كانت تعبر بها البلاد ، فمن الكبوة التي تعرضت لها في فترة الإضطهاد الروماني الخلكيدوني في القرن السادس الميلادي ، إلى الإحتلال الفارسي الذي ظلل على الأحداث بسحابات سوداء في بداية القرن السابع الميلادي ، فأظلمت الحياة فيها ، وحُجِبَ عنها النور ، والإضطهاد في ربوعها ضد الكنيسة وشعبها ،
إستمر قائماً ، حتي بلوغها الفترة الإنتقالية الثانية - والأخطر في تاريخها - بإتمام تسليم مقاليد حكم مصر إلى يد العرب المسلمين ، الذي غزوها في عام 641م ، وبعد أن قام " المقوقس " - الخائن - بتسليمها إلى " عمرو بن العاص " - قائد الجيوش العربية الإسلامية - دون شروط ، بل وترك حرية للقائد عمرو بن العاص بوضع الشروط وإلزام الأقباط بها ،
وفيما يلي - بياناً لتاريخ الأمة القبطية ، والكرسي الباباوي والكنيسة القبطية في القرن السابع الميلادي :
36 - البابا " أنسطاسيوس - Anastasius " :
متاعب البابا أنسطاسيوس في فترة جلوسه المبكرة :
منذ أن تولى " أنسطاسيوس " - شئون ومهام البطريركية - كبابا لكنيسة الأسكندرية في عام 598 م ، خلفاً للبابا المُـتنيح " داميانوس " ، كانت الصراعات الخلقيدونية في مصر قد بدأت تلوح في الافق من جديد بعد أن ظلت الأمور مُستقرة ، وهادئة في وجود الإمبراطور " يوستينيانوس " ، والإمبراطور " طيباربوس الثاني " في الفترة من عام 565 م إلى عام 582م ، حيث تولى الحكم إثنين من الأباطرة - من المؤيدين للمجمع الخليقدوني ، وقراراته المُؤيدة للبدعتان النسطورية والأوطاخية ، ألا وهما - الإمبراطور " مورسيوس " [ 582م - 602م ] ، والإمبراطور " هراقليوس " [ 610 م - 616م ] .
حيث حدث أن قام الإمبراطور " هراقليوس " بإغتصام كنيستي قُزمان ودميان في مصر في فترة مُبكرة من جلوس البابا " أنسطاسيوس على السِدة المرقسية ، وكان البابا " أنسطاسيوس " قبل جلوسه على السِدة المرقسية - كاهناً بكنيسة القديسين الإنجيليين " متي ، ومرقس ، ولوقا ، ويوحنا " ، وكنيستي " قزمان ودميان "- وكان رجلاً مشهوداً له بالبِر والصلاح والتقوي بين رجال الكنيسة وشعبها ، وكان تكريسه في شهر أبيب من عام 598م.
أهم الأحداث المعاصرة :
1- عودة الإضطهاد الخلكيدوني من جديد :
في الفترة التي تولى خلالها البابا " أنسطاسيوس " المهام البطريركية ، بدأت موجة جديدة من الإضطهاد المذهبي الخلكيدوني في العودة من جديد ، لكي تُهدد من إستقرار الكنيسة القبطية ، وسلامها ، حيث حدث أن إنشق بعض الرجال في الكنائس الغربية عن التعاليم التي تعتنقها الكنائس الشرقية - والتي من بينها مصر - وصار هناك صراعاً مذهبياً بين الكنائس الشرقية والغربية - قام على إثره بعض الناس بتقديم شكوى في حق البابا " أنسطاسيوس " - الرجل المُستقيم الإيمان - الغرض منها - الإطاحة به من الكرسي الباباوي ،
ومحاولة إثبات عدم أحقيته في الجلوس على الكرسي الباباوي المرقسي ، وكان الملك " أولوجيوس " هو البطريرك الملكي لروما آنذاك ، وكانت فترة بطريركته لاتكاد في بدايتها ، وكان الإكليروس في الإسكندرية لايقبلون تعاليم هذا البطريرك الملكي الخلكيدوني المذهب ، فرفضوه جميعاً ، وكذلك رفضته الإيبراشيات في عموم مصر ، والنوبة ، والخمس مدن الغربية.
وقد إتهم البطريرك السالف الذكر - والمدعو " أولجيوس " - البابا " أنسطاسيوس " ، مُدعياً كذباً وإفتراءاً أنه قام بالتطاول على المملكة بالألفاظ والأقوال المُشينة ، والتي تؤيد أعمال مجمع خلقيدونية ، فغضب الملك من تلك الشكوى الكيدية في حق البابا " أنسطاسيوس " وقام بإستصدار قرار بطرد البابا :" أنسطاسيوس " من الأسكندرية ، ومن ثم - ترك الكرسي الباباوي بالإجبار .
وقد كان لهذا القرار الظالم الذي إتخذته المملكة ضد البابا " أنسطاسيوس " - له مردوداً على الجانب الآخر من جانب الأقباط والإكليروس ، ورجال الكنيسة ، من مؤيدين البابا : " أنسطاسيوس " ، فغضبوا جميعاً غضباً عارماً جراء هذا القرار الظالم ، وحدثت مظاهر من الشغب من جانب الكثيرين منهم ، تعبيراً عن غضبهم من ذلك القرار .
واقعة قتل اليهود للمسيحيين في الأسكندرية :
وللأسف - إستغل بعض اليهود من مستوطني مدينة الإسكندرية ، حالة عدم الإستقرار التي كانت تمر بها البلاد ، وأعمال الشغب التي كانت تجري من جانب بعض أفراد الشعب القبطي ، وقاموا بالهجوم عليهم ، والإعتداء على معظمهم وقتلهم .
عودة البابا " أنسطاسيوس " إلى كرسيه الباباوي :
بعد ان قضى البابا فترة عزله عن الكرسي الباباوي في برية الإسقيط " برية شيهيت بوادي النطرون " ، إستطاعت الجهود الإنطاكية - التي قامت بها كنيسة إنطاكية ، أن تنجح في التوسط للبابا " أنسطاسيوس " لدى الكرسي الملكي الروماني ، وكانت العلاقة بين الكنيستين القبطية والإنطاكية ، علاقة وطيدة ووثيقة ، على الرغم من فترة الإنفصال بينهما والتي دامت لنحو 20 عاماً .
وكان القائم على أمور الكرسي البطريركي في إنطاكية - هو البابا " أثناسيوس الأن
طاكي ".
الأباطرة المعاصرون :
1- الإمبراطور " هرقليوس " [ 610 م - 641م ] .
يحظي هذا الإمبراطور - بشهرة تاريخية لاتماثلها شهرة أخرى ـ نظراً لأن في عهده حدثت واقعتين هامتين :
أولهما : إسترجاع خشبة الصليب المقدس إلى كنيسة القيامة بأورشليم ، بعد أن إستولت عليها جيوش كسري ملك بلاد فارس.
ثانيهما : سقوط الإمبراطورية الرومانية في عهده ، بقيام الدولة العربية الإسلامية على إنقاضها ، والقضاء على مظاهر النفوذ للرومان في العديد من البلاد التي كانت خاضعة للإمبراطورية الرومانية - والتي من بينها : أوُرَشليم في عام 636م ، ومصر في عام 641م .
وكان الإمبراطور " هرقل " - خلكيدوني المذهب ـ فإضطهد الكنيسة القبطية ، ومؤيدى عقيدتها من الكنائس الأخرى ، عبر العصور التي كان فيها قائماً على مقاليد الحكم فيها.
ولعل من الأمور التي وصمت تاريخ الإمبراطور "هرقل " - أو" هراقليوس " بالعار ، هي واقعة زواجة من إبنة شقيقة ، والتي كانت سابقة لم تحدث أبداً في الأوساط الملكية الرومانية قبل عصر حكمه .
نياحة البابا " أنسطاسيوس " :
تنيح البابا " أنسطاسيوس " في شهر كيهك من عام 611م .
الكاتب اشرف صالح
ليست هناك تعليقات